من أوراق أبى الأخيرة #1

 يوماً ما سأكون أنا هذا الرجل الخمسينى الساكن بالدور الخامس عشر فى شقة على كورنيش نيل الزمالك , سأعتزل العمل العام فى أوج نجاحى ونجوميتى وشهرتى ,فى عز تدفق المال فى أرصدتى بالبنوك , ولمعان نجمى فى الصحافة والأدب ومجتمع التنظير والمعارضة تارة ومساومة السلطة تارة أخرى , يوماً ما سأعتزل كل هذا السخف الذى يملئ العالم , سأمتنع عن الظهور فى الفضائيات وعن المداخلات المحورية الهامة بنظرتى الاستراتيجية الثاقبة .

يوماً ما سأختار الحياة الهادئة وحيداً منفرداً بنفسى , محتفظاً يإنجازاتى وكل مساهماتى فى العمل العام متخلياً عن عضوية الكثير من اللجان والمناصب الإستشارية .

فى هذا اليوم , سأتوب إلى الله , أستيقظ وقت صلاة الفجر أنهى صلاتى فى المسجد البعيد إلى حد ما عن محل إقامتى حتى يتسنى لى بعض من ممارسة رياضة المشى الصباحى المبهج أنتهى جالساً فى بلكونتى على النيل أحتسى القهوة بعد أن تعدها لى خادمتى اللاتينية التى أختارتها زوجتى قبل وفاتها بعام , يصلنى الاتصال اليومى من ولدى الوحيد الذى فضل الهجرة إلى استراليا يطمئن على صحتى وأحوالى , نتناقش قليلاً فى بعض أمور الحياة ,ثم اطلع على بريدى الالكترونى , سأرد على رسائل المعجبين فقط وأتجاهل كل ما هو دون ذلك .

فى تلك الفترة الانتقالية عندما أكون اطمأننت إلى إختفائى التام من العمل العام سأتردد على طبيب تجميل أجنبى , نعم هو ما يدور فى بالك , سأغير ملامحى ,بعدها أعود إلى العالم شخص أخر طالما كنت أريده و أنتظره , بائع متجول فى شوارع القاهرة المزدحمة , وقتها سيكون أعتزالى وعزلتى الثانية والنهائية .

عندما تجد هذه الرسالة , أرجو منك أن تطمئن ولدى  الحبيب الوحيد , ولا تفشى هذا السر لأحد , فقط تذكرنى بالصورة العالقة فى ذهنك منذ أيام الطفولة

أبيك   

الدكتور توفيق فخر العالم عكاشة